هذه السنة في رمضان تابعت برنامج الداعية الأمريكي عمر سليمان. وكان برنامجه بعنوان “الجنة: المنزل أخيرا”، فعشت شهرا كاملا أحلم بالجنة وأتخيل نعيمها، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة. وقد رافق هذا التخيل بعض التساؤلات مثلاً هل يوجد في الجنة ما يشبه التكنولوجيا الحديثة؟
وببحث بسيط على الإنترنت وجدت أن هنالك آخرين لديهم مثل هذا التساؤل. وأظن أن هذا أمر طبيعي مع التسارع الكبير الحاصل اليوم في مجال التكنولوجيا والذي يمس جميع جوانب حياتنا. ومما وجدت من الأجوبة، مثلا في موقع الإسلام سؤال وجواب، الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد، أن هذا السؤال مشروع وله أثر في زيادة الشوق للجنة والعمل للوصول لها
وخطر في بالي أن أرجع إلى أنواع التكنولوجيا التي ذكرت في القرآن الكريم، ولعل أكثرها ذكرا هو الفٌلك (السفن). ومثال على ذلك، قوله تعالى
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ” – الآية 32 من سورة إبراهيم
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ” – الآية 12 من سورة الزخرف
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” – الآية 65 من سورة الحج
من الواضح في هذه الآيات أن الله -عز وجل- هو من سخر لنا الفلك (السفن العظيمة). فالله -عز وجل- هو الخالق والصانع الحقيقي لكل شيء. فإن الله وحده الذي يخلق من العدم وهو -سبحانه- الذي أودع المواد خصائصها حتى يأتي الإنسان ليكتشفها في الوقت المناسب ليصنع منها ما يضمن استمرار وتطور البشرية. فكلما ازداد عدد البشر كلما ازدادت احتياجاتهم، وهنا تتجلى رحمة الله تعالى الذي ادخر لنا الحلول والاختراعات حتى نكتشفها
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ” – الآية رقم 10 من سورة فصلت
وأنقل إليكم هنا جزءا من تفسير الرازي للآية 12 من سورة إبراهيم، “فإن قيل: ما معنى ﴿وسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ﴾ مع أن تركيب السفينة من أعمال العباد؟ قلنا: أما على قولنا أن فعل العبد خلق الله تعالى فلا سؤال، وأما على مذهب المعتزلة، فقد أجاب القاضي عنه فقال: لولا أنه تعالى خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن، ولولا خلقه للحديد وسائر الآلات ولولا تعريفه العباد كيف يتخذونه ولولا أنه تعالى خلق الماء على صفة السيلان التي باعتبارها يصح جري السفينة، ولولا خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات القوية فيها، ولولا أنه وسع الأنهار وجعل فيها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن، فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال وهو المدبر لهذه الأمور والمسخر لها حسنت إضافة السفن إليه” – انتهى الاقتباس
والذي ينطبق على السفينة لا بد أنه ينطبق على السيارة، والطائرة، والتلفاز، وغير ذلك من نواتج التكنولوجيا الحديثة. فالله -عز وجل- هو المتفضل على عباده، الخالق لكل شيء، بما في ذلك ما نعرفه اليوم باسم التكنولوجيا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ” – الآية رقم 1 من سورة سبأ
وأتساءل هنا، إذا سُخرت لنا هذه الأشياء في الدنيا والتي هي دار امتحان، فكيف في دار الجزاء؟ ففي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين
يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” – الآية رقم 71 من سورة الزخرف
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هل في الجنة من خيل؟ قال: إنِ اللهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت، قال: وسأله رجل فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل؟ قال: فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه، قال: إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك
وعندما تفكر في بيوت الجنة وقصورها، وتريد أن تتخيلها، فابدأ بأعظم قصور الدنيا، وبآخر ما توصلت إليه تكنولوجيا البناء وهندسة العمارة، ثم ضاعف ذلك أضعافا كثيرة. ربما تتخيل فنادق معلقة في السماء، ومع ذلك فاعلم أن كل ما تتخيله سيكون أدنى وأقل من حقيقية الجنة. وقس ذلك على ما في الجنة من خيول حمراء طائرة، فتخيل أحدث السيارات الفارهة اليوم، وتخيلها تطير أيضا، وغير ذلك مما قد يخطر على بالك. والله تعالى أعلم بحقيقة هذه الأشياء في الجنة
نعم إن الجنة من عالم الغيب، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ففي الحديث القدسي “عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”. رواه البخاري ومسلم
وهذا الذي في الجنة مما لا يُتخيل، ما هو الا زيادة في النعيم
أما ما نقوم به من خيال هنا فيكون دافعا للعمل والسعي لدخولها. ودليل ذلك أن في القرآن الكريم العديد من الآيات التي يصف لنا فيها الله -عز وجل- الجنة ونعيمها. وينطق ذلك أيضا على العديد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
وصل اللهم، وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم
فراس جرار
28/4/2023