
إلى يومنا هذا فإن طريقة تصنيع الآلات والروبوتات بأشكالها المختلفة تقوم على مبدأ التجميع حيث يتم تجميع القطع مع بعضها البعض عن طريق اللحام والبراغي وغيرها من الأساليب المعروفة. وكل قطعة بحد ذاتها يتم تصنيعها إما عن طريق القص باستخدام أجهزة الخراطة أو التشكيل أو الإضافة باستخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد. وفي جميع هذه الحالات فإن تعليمات التصنيع تكون منفصلة عن المنتج نفسه
أما إذا نظرنا للمخلوقات الحية على أنها تصاميم هندسية فسرعان ما سندرك بأن صناعتها تختلف عما ذكر سابقا اختلافا كبيرا. فخلق الإنسان مثلا يبدأ من خلية واحدة تعرف علميا باسم الزيجوت أو البويضة الملقحة. وهذه الخلية التي لا ترى بالعين المجردة تحتوي على تعليمات التصنيع. وليس ذلك فحسب بل هي تحتوي أيضا على آلية التصنيع وذلك عن طريق الانقسام والتكاثر. فإذا أردنا وصف هذه الطريقة الصناعية بمصطلحاتنا الهندسية فسنقول بأن المنتج (الإنسان في هذه الحالة) يحتوي على تعليمات التصنيع وماكينات التصنيع. فسبحان الله وتبارك الله أحسن الخالقين. يقول الله عز وجل في الآيات (12-14) من سورة المؤمنون
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
ولقد ورد في تفسير قوله تعالى “فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” أي فتبارك الله أتقن الصانعين. أنظر تفسير الطبري والقرطبي
ولا بد من التذكير هنا بأن الله عز وجل هو الخالق والصانع الحقيقي لكل شيء. فإن الله وحده الذي يخلق من العدم وهو سبحانه الذي أودع المواد خصائصها حتى يأتي الأنسان ليكتشفها في الوقت المناسب ليصنع منها ما يضمن استمرار وتطور البشرية. فكلما ازداد عدد البشر كلما ازدادت احتياجاتهم وهنا تتجلى رحمة الله تعالى الذي ادخر لنا الحلول والاختراعات حتى نكتشفها
وأضف الى ذلك فإن جميع الصناعات والاختراعات هي في حقيقتها تقليد ومحاكاة لخلق الله عز وجل سواء أدركنا ذلك أم لم ندرك. ويوجد اليوم علم يسمى علم محاكاة هندسة الطبيعة. ومما أراه والله أعلم فإن في قوله تعالى: “فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” دعوة ضمنية لمحاكاة خلق الله عز وجل. ومن هنا أقترح أن يتم إدراج علم محاكاة هندسة الطبيعة كمادة أساسية في مناهج التدريس للتخصصات الهندسية
هذه تأملات ومحاولة للتدبر في كتاب الله عز وجل امتثالا لقوله تعالى: “أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” الآية 24 من سورة محمد. فإن أصبت فبنعمة من الله تعالى وله الشكر والحمد، وإن أسأت أو أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله العظيم على ذلك
فراس جرار
السابع من شهر شوال عام 1441 هجري
الموافق 30 مايو 2020
هل هنالك إشارة الى الطائرات في القرآن الكريم؟
هل ستزول التكنولوجيا قبل نهاية العالم؟