
تنسب لعالم الفيزياء ألبرت أينشتاين المقولة التالية: أنا لا أعرف ما السلاح الذي سيستخدمه الإنسان في الحرب العالمية الثالثة، لكنني أعلم أنه سيستخدم العصا والحجر في الحرب العالمية الرابعة
لا يخفى على أحد أهمية التكنولوجيا ودورها في أمان الدول ورفاهية الشعوب. إلّا أنه مع وتيرة التقدم المتسارع في التطور التكنولوجي في بداية القرن الماضي ظهرت ردود فعل مختلفة نحو التكنولوجيا، وظهرت أيضاً تساؤلات جديدة لعل أبرزها هو: هل ستزول التكنولوجيا يوما ما قبل نهاية العالم
وتمثل هذا التساؤل في شكل روايات، ومسلسلات، وأفلام، وجدل في صفحات الأنترنت. وأنا شخصياً أرى أن طبيعة هذا السؤال في الأصل مغلوطة. وينبع جزء من هذا الخطأ من الخلط بين التكنولوجيا كمعرفة ونواتج التكنولوجيا كأدوات وأجهزة. فمثلا لو افترضنا تعطّل جميع الأجهزة الإلكترونية في أنحاء العالم نتيجة لتوهج شمسي فائق (سوبر فلير) أو نتيجة حرب عالمية كما يتوقع أينشتاين، هل نستطع أن نقول أن التكنولوجيا قد زالت؟
من التأكيد أن حدثاً كهذا سيكون له أثارا خطيرة، الّا أنه لن يمثل نهاية الحضارة كما يتصور أو يحب أن يتصور البعض. فستكون مسألة وقت فقط وسيعاد بناء البنى التحتية لأنظمة الاتصالات المختلفة. وهو أمر يتم بسرعة اليوم، حيث أصبح الوقت اللازم لتصميم وبناء الأقمار الصناعية يتطلب أشهرا وليس سنوات كما كان في السابق. خاصة مع ظهور ما يسمى اليوم بالأقمار الصناعية المصغرة. ومن الجدير بالذكر أن لدى بعض الدول خططا معّدة للتعامل مع مثل هذه الأحداث والسيناريوهات. وبالتالي فإن أي تعطل في نواتج التكنولوجيا، إن حدث، لا يعنى أبداً زوال التكنولوجيا، بل قد يُحدث تنافساً بين الشركات القائمة وظهور أخرى جديدة لتعويض الإنتاج والتصنيع واغتنام الفرصة من أجل التجارة والربح
وتعرّف التكنولوجيا بأنها مجموعة علوم أو أفكار عملية وتطبيقية. مثل مبدأ العجلة، والعتلة، والمحرك البخاري، ومولد الكهرباء، وغيرها من المبادئ التي يعلم طبيعتها اليوم الكثير من الناس، بحيث أصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية للبشرية. وهنالك تقنيات أخرى تحتكر أسرارها بعض الدول والشركات لبعض الوقت. لكن سرعان ما ينتهي الأمر ببعض منها أن تجد طريقها الى المنشورات العلمية وبالتالي تصبح بدورها معلومة للجميع
وأود أن أنوه أنه وبعد بحث مستفيض، لم أجد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أي ذكر صريح لفناء الحضارة وزوال التكنولوجيا أو أي شيء من هذا القبيل. وعلى العكس من ذلك فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم، والذي أوتي جوامع الكلم، قد أشار إلى انتشار التكنولوجيا في آخر الزمان كما في الأحاديث التالية، على سبيل المثال لا الحصر
في حديث أخرجه الترمذي وصححه الألباني، في رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “والَّذي نفسي بيدِه، لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يُكلِّمَ السِّباعُ الإنسَ، ويُكلِّمُ الرَّجلُ عذَبَةَ سوطِه، وشِراكَ نعلِه، ويُخبِرُه فخِذُه بما حدَّث أهلُه بعدَه”، وشراك النعل وهو الخيوط الجلدية التي على ظهر القدم في الحذاء. والظاهر من هذا الحديث إشارة الى وسائل الاتصال عن بعد (جهاز الهاتف الخلوي)، والله أعلم
وفي حديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ولتُترَكنَّ القلاص فلا يُسعى عليها”، والقلاص هي الأبل، والظاهر من الحديث، أن الأبل لن تستخدم للركوب في أخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام، في إشارة، والله أعلم، لمدى انتشار وسائل المواصلات الحديثة
وفي حديث أخرجه الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله بن عياش القتباني، عن أبيه، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سَيَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى الْمَيَاثِرِ حَتَّى يَأْتُوا أَبْوَابَ مَسَاجِدِهِمْ …” فَقُلْتُ لِأَبِي: وَمَا الْمَيَاثِرُ؟ قَالَ: سُرُوجًا عِظَامًا. والظاهر من هذا الحديث أيضا إشارة، والله أعلم، لوسائل المواصلات الحديثة
وربما يشكُل على البعض ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الخيل في بعض أحاديث آخر الزمان، ويرون في ذلك تلميحا الى نهاية الحضارة. الا أنه في ضوء الأحاديث السابقة الذكر والتي تشير الى التكنولوجيا في آخر الزمان، وفي ضوء فهم الواقع، فإنه لا يمكن استخدام الأحاديث التي تذكر الخيل للاستنتاج أن الحضارة والتكنولوجيا الى زوال. والذي أراه، والله أعلم، أن من يقول بذلك يكون قد حمل النص على غير مراده. فقد يكون في ذكر الخيل تبسيط من الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يستوعب ذلك الصحابة رضوان الله عليهم. وقد يكون ذلك من باب الاستعارة في اللغة، فتكون الخيل إشارة الى وسائل النقل المختلفة. مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأزواجه: “أسرعكنّ لحاقاً بي أطولكنّ يداً”. والمعنى هنا لم يكن حرفيا بل قصد به أكثرهن بذلا للمال
إن حقيقة الأمر كما أرى، والله أعلم، أن التكنولوجيا، قد تتعطل، ولكن لا تزول إلا بزوال من يفهم تفاصيلها وأسرارها. وبالتالي فهي لا تزول إلا بزوال البشرية
وبما أن الأمر متعلق بأشخاص، قلّوا أو كثروا، فإن السؤال الأخطر والذي يجب أن يشغل بالنا اليوم
هل من الممكن احتكار التكنولوجيا المستقبلية؟
على ما يبدوا أن الجواب لهذا التساؤل هو نعم. حيث انه من الممكن احتكار التكنولوجيا وإن كان حدوث مثل هذا الامر غير حتمي وغير مطلق. وأوضح مثال على هذا النوع من الاحتكار، أن هناك بعض الدول التي تمتلك وتصنّع الأقمار الصناعية، والروبوتات، والطائرات. في حين أن هنالك دول أخرى، والتي تسمى خطأً وتعدياً دول العالم الثالث، تفتقر إلى مثل هذه التقنيات الحديثة
ومما يطرح تخوفا من نوع آخر، هو ازدياد الفجوة بين الدول التي تمتلك هذه التقنيات وتلك التي لا تمتلكها. بالإضافة إلى وجود ظاهرة أكثر خطورة وهي ظاهرة الشركات العابرة للقارات والتي لديها قدرة أكبر على احتكار التكنولوجيا ووأد المنافسة
إن بين شباب أمتنا اليوم من هو مقتنع بأن الأرض مسطّحة ومنهم من ينتظر الكوكب “نيبيرو” ليدمّر الحضارة البشرية ويعيد توازن القوى بين أمم العالم. في حين أن هنالك أمم أخرى وشركات تطّور تقنيات جديدة بتسارع مذهل ولأهداف شتى قد لا تكون جميعها لمصلحة البشرية
وخلاصة الأمر، أن هنالك اليوم تسارع غير مسبوق في التطور التكنولوجي، والأمم المختلفة في سباق لامتلاك هذه التقنيات الجديدة. وإن أردنا أن يكون لنا دور، أو حتى وجود، في مستقبل البشرية فلا بد من العمل على اللحاق بالركب قبل فوات الأوان. وهذه مسؤولية كبيرة مناطة على عاتق المربيين، والمفكرين، والعلماء، والمهندسين
فراس جرار
السابع من شهر ذو القعدة 1441
الموافق 28 حزيران 2020
هل هنالك إشارة الى الطائرات في القرآن الكريم؟
Very good critical futuristic thinking
LikeLike
حتما ستزول وذلك بزوال أو توقف أو تعطل الانترنت لقد تم ربط جميع مناحي الحياة بالانترنت وبتعمل الشبكة العنكبوتية سيتم تعطل أشياء كثيرة جدا.
قال الله تعالى في كتابة العزيز
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44
أبواب كل شيء هو الانترنت
والله اعلم
LikeLike
مقال رائع و جميل جداً بين العقل والعقيدة أشكرك تعليقاً على أصحاب نظرية الأرض المسطحة يستدلون بكلمة (دحاها وطحاها) ولعلي أشير هنا إلى أن الفهم الخاطئ لمدلول الكلمات من بعض المسلمين جعلهم يشككون في أن الأرض كروية الشكل لاعتقادهم أن هذه المصطلحات صحيحة وبعد البحث تبين أن الخطأ في عدم فهم المصطلحات منذ القدم قال بعض المفسرين واللغويين القدامى إن معنى دحاها أي بسطها ومدها وقالو عن معنى طحاها أي دحاها وبسطها!! مدلول (دحاها) ولله أعلم أي ملأها ودگها وكبسها بقوة في صفة لبداية تكوينها، وعادة الدحو يكون للشيء المجوف، إذا قال العربي ادح الإناء أي إملأه ودگه جيداً ومازال هذا المصطلح موجوداً عند بعض القبائل النجدية وذلك مدلول قوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} أي ملاها بالتراب والرواسي ثم بالبذور والماء
مدلول (طحاها) أي كملها وجملها وزينها وأصبحت متهيئة لحياة الخلق عليها بعد الإنتهاء من تكامل تكوينها، ولإن الحديث عن ذكر المخلوقات بعد تكاملها قال الله تعالى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاها ، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ، وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}
أما الأرض في شكل تكوينها مكورة مثلها مثل بقية الكواكب وتسطحها بشكل دائري من جميع الاطراف، وهي متحركة كبقية الكواكب والنجوم. ومن إعجاز الله سبحانه أن جعل في المخلوقات الحية توازناً دقيقاً مرتبطاً بتوازن الأرض وكيفية تكوينها وتوازن الانسان يقع في وسط الرأس بين الأذنين، ومن اختل لديه التوازن في الأذن الوسطى سيرى الأرض تدور بسرعة من حوله رغم وجود الجاذبية؟ (ماذا يحدث للخلق لو انتفتى التوازن والجاذبية، ومتى سوف يحدث ذلك) ؟ ومعجزات خلق الله لا يمكن استيعابها كما يجب، لأن عقل الإنسان محدود بقدرات لا تمكنه من استيعاب كل ماحوله بل حتى في خلق ذاته، فمثلاً لو تفكر الإنسان وسأل نفسه كيف يسمع وكيف يبصر الأشياء من حوله لعجز عقله ولعلم أن كمال العلم لله سبحانه وتعالى
{وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا}
LikeLike